قال الأشعث بن قيس: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فوجدته قد أثر فيه صبره على العبادة الشديدة ليلًا ونهارًا، فقلت: يا أمير المؤمنين!! إلى كم تصبر على مكابدة هذه الشدة؟ فما زادني إلا أن قال:
أصبر على مضض الإدلاج فى السحر *** وفى الرواح إلى الطاعات فى البكر
إني رأيت وفي الأيام تجربة *** للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقلَ من جدَ في أمر يؤمَله *** واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
فحفظتها منه وألزمت نفسي الصبر فى الأمور، فوجدت بركة ذلك.
وندور فى فلك هذا الأمر العظيم الجلل حول أمور منها:
1- أنواع الصبروالمفاضلة بينها.
2- اصبر على مره تنل حلاوة عاقبته.
أولاً: أنواع الصبر والمفاضلة بينهما:
قال أبو قدامه: "الصبر عبارة عن ثبات باعث الدين فى مقابل باعث الشهوات، فإن ثبت حتى قهر الشهوة التحق بالصابرين وإن ضعف حتى غلبت الشهوة ولم يصبر على دفعها التحق بأتباع الشياطين، فالصبر هو ثبات باعث الدين فى مقاومة الهوى فهذه المقاومه من خاصية الآدميين".
والصبر أنواع ثلاث:
1- صبر على الطاعات
2- صبر عن المعاصى
3- صبر على البلاء
والصبر على الطاعات وهو أوضح ما يكون في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام والتي خلد الله ذكرها فى القرآن فلا تدري من أيهما تعجب: من الأب الذى رأى في المنام أنه يذبح ابنه فلبى؟! أم من الابن الذي استسلم لأمر ربه طواعية واختيارًا؟! لقد كان الابن الوحيد لإبراهيم عليه السلام ولم يرزقه إلا على كبر فما ظنك بتعلق أب كهذا بابنه؟! إلا أن ابراهيم رغم هذا كله قد حطم كل نداءات الأرض لما جاءه أمر السماء وضرب لنا أروع مثل على الإطلاق فى الصبر على طاعة ربه، فلم يبحث عن رخصة ولم يتأول رؤياه لينجى ولده، ولكنه امتثل الأمر على نحو عجيب، وقص على ابنه ما رأى، فجاءت إجابة الفتى الذي شب عن الطوق وبلغ السعي وأدرك مدارك الوعي محيرة حقًا حيث حسم الموقف بجملتين فاصلتين يحفهما الرضا وتفوح منهما رائحة الصبر ويملأهما اليقين قالهما لأبيه وخلدهما القرآن وجلس التاريخ يدون لهما في عجب قال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِين} [الصافات وعندها كانت العقبى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات البشرى بالفداء بعد العناء والآلاء بعد اللأواء ولا عجب إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.
وكما شهد إسماعيل لنفسه بالصبر شهد الله جل جلاله له بالصبر ودون اسمه فى سجل الصابرين على صفحات القرآن: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الأنبياء].
ثانيًا: الصبر عن معصية الله
وأبرز الأمثلة وأشدها وضوحًا صبر يوسف عليه السلام على مراودة امرأة العزيز له، ولقد كان الصبر ظهير يوسف فى محنته التي ابتلي بها من إخوته مرة ومن امراة العزيز أخرى وهو ما نطق به القرآن على لسان يوسف عليه السلام {أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين} [يوسف] فما أوصله لما هو فيه من حسن العاقبة إلا صبره على ما فعل إخوته وتقواه لربه إذ دُعِي إلى الفاحشة فأبى وقد قال بعض السلف: ما افتقر تقي قط، فالله قد ضمن للمتقين أن يجعل لهم مخرجًا مما يضيق على الناس وأن يرزقهم من حيث لا يحتسبون، فيدفع عنهم ما يضرهم ويجلب لهم ما يحتاجون إليه مما فيه نفعهم، والله لا يخلف وعده متى تحقق شرطه فإذا لم يتحقق الوعد فاعلم أن الخلل فى تحقق الشرط، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب» (مسند أحمد
ولكن ماالدافع إلى الصبر عن معصية الله؟!
الدافع للصبر عن المعصية إمسا الخوف وإما الحياء.
والخوف: هو الحذر من عواقب المعصية وقبح أثرها وما قد يصيب المرء من جرائها في الدنيا والآخرة
والخوف خوفان: خوف الدنيا وخوف الأخرة، أما خوف عواقب المعصية فى الدنيا فهو ما ذكره ابن القيم في قوله:
"الصبرعن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة، فإنها إما أن توجب ألمًا وعقوبة وإما أن تقطع لّذة أكمل منها وإما أن تضيع وقتًا إضاعته حسرة وندامة وإما أن تثلم عرضًا توفيره أنفع للعبد من ثلمه وإما أن تذهب مالاً بقاؤه خير له من ذهابه وإما أن تضع قدرًا وجاهًا رفعه خير من وضعه وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة وإما تفتح لوضيع إليك طريقاً لم يكن يجدها قبل ذلك وإما أن تجلب همًا وغمًا وحزنًا وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة وإما أن تنسي علمًا ذكره ألذ من نيل الشهوة وإما أن تشمت عدوًا وتحزن وليًا وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة وإما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق".
وأما خوف الآخرة: فهو مما يلقى العاصي من العقوبة في النار والتقلب بين أطباق جهنم ودركاتها.
والفارق بين الخوف منه سبحانه وخشية الناس: أن الناس إن خفتهم رغبت عنهم وابتعدت والله إن خفته رغبت فيه واقتربت.
وأما الدافع الثانى الذى يدفع إلى الصبر عن المعصية هو الحياء.
والحياء كما ذكره الجنيد: قال عنه: "هو رؤية الآلاء ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء، وحقيقته خلق يبعث على ترك القبائح ويمنع من التفريط فى حق صاحب الحق".
وقد يشتهى المرء مع إيمانه المعصية ولا يمنعه عنها إلا حياؤه من الله ...ولهذا لما سئل عمر رضي الله عنه عن قوم يشتهون المعصية ولا يعملون بها ، فأجاب بقول القرآن: {أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّـهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ} [الحجرات من الآية
فالخائف مراع جانب نفسه وحمايتها، والمستحي ملاحظ جانب ربه وملاحظ عظمته، وكلا المقامين من مقامات أهل الإيمان غير أن الحياء أقرب إلى مقام الإحسان إذ الحيي متى تفجرت ينابيع الحياء من عين قلبه، وتفجرت عيونها رغباً ورهباً، عندها يعبد ربه كأنه يراه فتكون طاعته له أقوى وصبره عن معصيتة أكمل.
ثالثًا: الصبر على البلاء
وليس للمبتلى فيه اختيار كموت الأعزة وهلاك الأموال وزوال الصحة بالمرض وعمى العين وفساد الأعضاء وسائر أنواع البلاء والصبر على ذلك من عزائم الأمور لأنه شديد علىالنفس وهو بضاعة الصديقين وأهل اليقين ولهذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «أسالك من اليقين ما تهون به على مصائب الدنيا» (الكلم الطيب فهو صبر مستنده حسن اليقين.
وقال أبو سليمان: "والله ما نصبر على ما نحب ..فكيف نصبر على ما نكره؟"
وإنما علت منزلة الصبر عند حلول البلاء لكونه يمنع صاحبه الفزع وإبداء الجزع وتكرار الشكوى وهو الدرع الواقي يتترس به الصالحون من مكائد الشيطان وسبله واختلال الطبع عند الصدمة ومعالجة حر المصيبه فيورث القلب أمنًا والعقل حصافة والجسد ثباتًا والنفس رضا فيرجع المؤمن أمره لله ابتداء وانتهاء فتأتيه البشرى {وَبَشِّرِ الصَّابِرِين . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة]. ولهذا كان الصبر عند الصدمة الأولى أجره أوفى وأكمل لقوله صلى الله عليه وسلم للمرأة التي جزعت ثم صبرت: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» (صحيح البخاري )
المفاضلة بين أنواع الصبر الثلاث:
الصبر على الطاعة أعلى مقامًا من الصبر على البلاء لأمور منها:
1- إن الصبر على الطاعة صبر اختيار والصبر على البلاء صبر اضطرار لذلك كان صبر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام على ما نالهم فى الله باختيارهم من دعوتهم أقوامهم ومقاومتهم لهم بإرادتهم ومحض فعلهم أكمل من صبر أيوب على ما ناله في الله من ابتلائه وامتحانه بما ليس صادرًا عن فعله وكذلك كان صبر إسماعيل الذبيح وصبر أبيه إبراهيم عليهما السلام على تنفيذ أمر الله أكمل من صبر يعقوب على فقد يوسف.
2- أن من علامات كمال الصبر على البلاء وأمارات قبوله عند الله فعل الطاعة بعده والتزود من أسبابها قال الله: { {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم} [آل عمران
3- أن الله ما ابتلى بالبلاء إلا ليؤول العبد له ويقبل عليه ويتوب إليه .. يقول بن عطاء الله السكندرى فى الحكم: "من لم يقبل على الله بملاطفات الإحسان قيد إليه بسلاسل الإمتحان".
كذلك الصبر على الطاعة أكمل وأعلى مقامًا من الصبر عن المعصية:
لأنه ما من سبيل لدفع المعصية وثورتها إلا بالتحلى بالطاعة وأسبابها بمعنى أنه ما حجب العبد عن طاعة إلا أسفرت له معصية عن وجهها.
فمن جزاء الطاعة الطاعة بعدها ومن مغبة المعصية المعصية بعدها فالصبر على الطاعة خير من الصبر عن المعصية إذ الطاعة بمثابة حرب استباقية على المعاصي وترك المأمور سبب الوقوع في المحظور إذ "المأمور محبوبه والمنهى مكروهه ووقوع محبوبه أحب إليه من فوات مكروهه وفوات محبوبه أكره إليه من وقوع مكروهه".
ولهذا قال عبد الله بن سهل التسترى: "ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهى لأن آدم نهى عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه وإبليس أمر أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب".
ورغم أن الصبر على الطاعة أكمل من الصبر عن المعصية وأعلى مقاماً من الصبر على البلاء إلا أنه أصعب أنواع الصبر ولذا جاءت صيغة الأمر بالصبر على صنوف الطاعات مغايرة لغيرها قال الله: { {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم] وقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه] فاستخدام صيغة الافتعال تدل على المبالغة فى الفعل وقوته والاصطبار: هو شدة الصبر على الأمر.
قال الزمخشري فى الكشاف: "جعلت العبادة بمنزلة (القرن) أي القرين المقاتل لك ولهذا نقول للمحارب اصبر لقرنك أي لمن يقاتلك أي اثبت له مهما لاقيت من شداته وضرباته".
ثانيًا: اصبر على مره تنل حلاوة عاقبته
فالصبر كاسمه مر مذاقته *** لكن عقباه اشهى من العسل
ولما عرف الموفقون قدر الحياة الدنيا وقلة المقام فيها أماتوا فيها الهوى طلبا لحياة الأبد، لما استيقظوا من نوم الغفلة استرجعوا بالجد ما انتهبه العدو منهم في زمن البطالة، فلما طالت عليهم الطريق تلمحوا المقصد فقرب عليهم البعيد، وكلما أمرت لهم الحياة حلى لهم تذكر {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة].
فانظر مع مر الصبر إلى حلاوة العاقبة ومع طول السفر إلى طيب المقصد عندها يهون الألم وتسكن الجراح يقال: "إن امراة فتح الله الموصلى تعثرت فانقطع ظفرها فضحكت، فقيل لها: أما تجدين الوجع؟ فقالت: إن لذة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة وجعه".
وقال داوود عليه السلام: يارب ما جزاء الحزين الذى يصبر على المصائب ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أن ألبسه لباس الإيمان فلا أنزعه عنه أبدًا.
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد مؤمن أصيب بمصيبة فقال كما أمر الله تعالى: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم اؤجرني بمصيبتي واعقبنى خيرًا منها إلا فعل الله به ذلك».
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله قال: اذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة» (صحيح البخاري
وقال عمر بن عبد العزيز فى خطبة له: "ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه وعوضه منها الصبر إلا كان ما عوضه منها أفضل مما انتزع منه وقرأ {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر
ومن الأجر العظيم أن تكون فى ظل العرش يوم القيامه ومن هنا استحق السبعة المذكورون في الحديث الصحيح أن يظلهم الله فى ظل عرشه وذلك لكمال صبرهم ومشقته، فالإمام العادل: صبر في حكمه حال رضاه وغضبه، والشاب الذى نشأ في طاعة الله: صبر على العبادة في ظل مغريات العصر ومخالفة هواه، والرجل الذي تعلق قلبه بالمساجد: ما أوصله لذلك إلا ملازمتها والمكوث فيها، والمتصدق بيمينه حتى أخفاها عن شماله: صبر على مجاهدة الرياء وحب محمدة الناس، والمتحابين في الله في اجتماعهما وافتراقهما: صبرا علىالحب في الله ولله، والباكي من خشية الله: إنما أوصله لذلك صبره على كتمان شجونه إخلاصًا وعدم إظهارها للغير. ومن لم يجب نداء حسناء ذات سلطان كفته مشقة مراودتها: إنما أوصله لذلك صبره على نار شهوته وطلبه ما عند ربه فلا خير فى لذة من بعدها النار. فالهوى والهدى طلب الخليقة ومرادهم فمن صبر على إحداها نالها ومن ترك إحداها نال الأخرى.
اللهم ارزقنا الهدى.
ومن أطرف ما ذكر فى الصبر على التعلم طلباً للذته ومتعته: ما روي أن صبيًا دخل على الإمام مالك فى مجلسه وقد كان رضي الله عنه يهابه العلماء، دخل عليه وهو يفيض كالبحر علمًا يحدث الناس بجوار قبره صلى الله عليه وسلم- يقول حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن صاحب هذا المقام يشير الى قبر النبي صلى الله عليه وسلم انه قال كذا وكذا دخل عليه الصبي وقال: يا إمام حدثني فقال الإمام مالك: حصلنا على الصبيان ثم أمر غلمانه ليخرجوه .. فاخرجوه فدخل الصبي مرة أخرى على الإمام مالك ..فأمر بإخراجه فدخل عليه الثالثة وهو يقول: يا إمام حدثني ... فقال له الإمام: أنت ولد سيئ الأدب، وأمر به غلمانه فجلدوه خمسة عشر سوطًا فجاءه الولد يبكي وقد أمسك بتلابيب الإمام وقال له: لقد باع أبي أرضنا ورهن بيتنا لأتعلم حديث رسول الله وأنت تمنعني حديثه؟! والله لا أدعنك فى حل، ووالله لأشكونك للجبار يوم القيامة فأجهش الإمام بالبكاء وطلب العفو من الصبي، فقال الصبي: أسامحك بشرط، أن تحدثني اليوم عن كل سوط ضربتنيه حديثًا، فوافق الإمام: وسرد له خمسة عشر حديثًا ثم نظر للصبي وقال له: حدثنى ولو بحديث منها، وكان الولد جيد الحفظ فألقى على سمعه الأحاديث الخمس عشر بترتيبها ومتونها وأسانيدها كما خرجت من فم الإمام مالك ثم نظر الطفل للإمام مبتسمًا وقال فى صبر دونه الشوامخ: يا إمام، زد من الضرب وزد من الحديث.