ى يوم من الأيام عدت من مدرستى حزينة وفى يدى ورقة دعوة لمجلس الأمهات بالمدرسة، مزقتها وأنا فى طريقى إلى منزلى، فلا داعى أن أريها لأمى، فهى أصلا لا تقرأ، ولا داعى أن أجعلها تحضر المجلس فأنا أخجل من أن أعرفها على صديقاتى ومعلماتى فى المدرسة وهى مجرد ربة منزل جاهلة غير مثقفة، قطعت الدعوة ورميتها فى الشارع والألم يمزق صدرى.
فمنذ دخولى هذة المدرسة وأنا أحاول بكل الطرق الممكنة أن أمنع صديقاتى من لقاء أمى أو رؤيتها حتى ولو بالصدفة، ولكن اليوم التحدى أصعب بالنسبة لى، فقد فزت بمركز الطالبة المثالية على مستوى المدرسة، وهذة هى المرة الأولى التى يتم تكريمى فيها فى حفل الأمهات، تمنيت بالفعل من داخلى أن تحضر أمى وتشاركنى تكريمى وفرحتى، ولكن ليست أمى هذة، تمنيت أم أخرى، أم جميلة ومثقفة ومتعلمة، أفتخر بها أمام صديقاتى ومعلماتى، ولكن أمى أنا لا أريدها أ، تحضر بالتأكيد .
دخلت البيت والأفكار مازالت عالقة بذهنى، وكنت شاردة فسألتنى أمى بعطف ما بك يا بنيتى هل أزعجك شئ اليوم فى المدرسة ؟ شعرت برغبة شديدة فى البكاء، كدت أصرخ فى وجهها وأقول لها أنت من يزعجنى وجودها .. أنتى مشكلة الكبيرة فى هذة الحياة، ولكنى فضلت الصمت وأجبتها لاشئ يا أمى فقط أنا متعبة قليلاً من الدراسة، فقالت لى أمى حسناً إرتاحى فى غرفتك وأنا سأحضر لك الغذاء، شكرتها ورفضت الطعام، توجهت فوراً إلى غرفتى غيرت ملابسى وتوضأت وأديت صلاتى وجلست على سريرى أفكر .. نظرت حولى وجدت غرفتى نظيفة ومعطرة بأجمل عطر، إنه العطر الذى تعلم أمى إنى أحبة، مسكينة أمى أنها تتعب كثيراً من أجلى، فعلى الرغم من كبر سنها وتعبها إلا أنها تنظف غرفتى كل يوم وتحضر لى الطعام وتغسل ملابسى دون تعب أو ملل أو حتى شكوى، شعرت بصراع داخلى، صوت بداخلى يقول أمك حبيبتك تتعب من أجلك تفعل كل ما هو خير لك، وصوت آخر يقول أنا أخجل منها فهى جاهلة وغير مثقفة ولا يمكننى أن أجعل معلماتى تقابلها، فهى مثيرة للسخرية، إنظرى لطريقة كلامها ولبسها، كيف سترينها صديقاتك وهى على هذة الحالة وكل أمهاتهن على قدر عظيم من العلم والأناقة والثقافة، بالتأكيد سيسخرن منها ومنك وهذا ما كنت تحاولين تجنبة كل تلك السنين الماضية .


وفى صباح اليوم التالى ذهبت إلى المدرسة وقد قررت بداخلى أن لا أخبر أمى عن الحفل، قابلت صديقتى نورة وكان يبدو عليها الحزن، سألتها عن ما يحزنها فأخذت تحكى لى وجعها وما يحزنها، تقول أن أمها قاسية جداً لا تراها ولا تكلمها إلا نادراً فهى كثيرة المشاغل ودائما ما تفضل أشغالها ومكانتها الإجتماعي على إبنتها، لا تجلس معها ولا تتحدث إليها، وإذا جاءت إلى المنزل تدخل بوجه عابس غاضب دائماً، تعجبت من كلام صديقتى وسألتها كيف لا تريها، فأجابتنى أنها تعمل وتقضى كل اليوم فى حضور المناسبات الإجتماعية الهامة أو الذهاب للنادى وتعود ليلاَ إلى المنزل متعبة تنام على الفور، ودائماً ما تكون متعبة ومتوترة لا تستمع إلى ولا تسألنى عن حالى.
وأخذت نورة تبكى وهى تكمل حكايتها قائلا أنها بالأمس تشاجرت مع أمها فقالت لها أمها أنها لا تحبها وتكرهها وتتمنى ألا تراها أمامها مرة آخرى، حتى تتمنى أن تموت هى وأخواتها لترتاح من هذا الهم .
أصابتى صدمة شديدة وانا استمع إلى حكاية نورة، توقفت عن الإستماع إلى صوت نورة رغماً عنى، وأخذ يجول بداخلى خيال أمى وكل معاناتها وتحملها من أجلى، حنانها وشوقها إلى كل يوم وانا عائدة من المدرسة تسألنى عن حالى وشكوتى وتستمع إلى، لا تريد إلا أن أكون دائما بخير وسعادة، أخذت أقارنها بوالدة نورة المثقفة الأنيقة، هذة المرة بالتأكيد رجحت كفة أمى الأم الحنونة العطوفة التى منحتى كل شئ وأغلى شئ لا يشترى وهو الحب.
وفى يوم مجلس الأمهات مسكت يد أمى بقوة فى ساحة المدرسة وأخذت أعرفها على صديقاتى ومعلماتى وكلى فخر وإعتزاز أنها أمى الغالية ، هى أمراة بسيطة وغير متمدنة ولكنها فى نظرى أعظم وأشرف أم فى الوجود .. يكفى أنها أمى وكفى.